ضغط بوارو قدميه على الأرض محاولاً تدفئتهما وتساقطت من شاربيه نقط من ذوبان الجليد وسمع طرقاً على الباب ظهرت بعده الخادمة كانت فتاة ريفية تميل إلى السمنة وأخذت تنظر بإستغراب إلى بوارو وكأنها لم ترا شخصاً على شاكلته من قبل ثم سألته قائله هل دققت الجرس ؟
نعم أرجو أن تشعلي لي ناراً ؟
فخرجت وعادت مسرعه تحمل ورقاً وأعواداً من الخشب وضعتها في الندفئه وبدأت تشعلها وراح بوارو يضغط على قدميه ويفرك يديه ويقربهما من وهج النار
لقد قطع مسافة ميل ونصف ميل في طريق وعر يكسوه الجليدوأضطر أن يمشي طوال هذه المسافه لتعطل سيارته حتى وصل إلى قرية هارتلي دن الواقعه على شاطئ النهر وهذه القريه مشهوره بجمالها في الصيف يفر منها الإنسان في الشتاء وروع باورو عندما أخبره صاحب الفندق أن في إمكانه أن يقدم له سياره أخرى يتم بها رحلته كيف يخرج على مألوفه ويستأجر سياره بينما هو يملك سياره وسياره غالية الثمن هو مصمم على العوده ها إلى المدينه؟وهو لن يعود إلى في الصباح حين يكون الجليد قد ذاب والسياره قد تم إصلاحها
مد بوارو قدمية بالقرب من المدفئه وهو يمسك بيده قدحاً متواضعاً يرشف منه سائلاً أسود قيل أنه قهوه ولاكن لهب النار وحرارتها جعلته يشعر كأنه في جنة الخلد حتى نسي الطعام الرديء الذي أكله والقهوه القذرة التي كان يشربها
وطرقت الخادمه الباب ودخلت وهي تقول رجل من ورشة الإصلاح يريد مقابلتك ياسيدي
دعيه يدخل
دخل شاب عليه مسحة من الوسامه والبساطه وقال لقد فحصت العربه وعرفت الخلل الذي بها وسوف يستغرق إصلاحه نحو ساعه
ماهو ذالك الخلل؟
راح الشاب يتكلم عن أشياء فنيه لاتهم بوارو كثيراً وأخذ هذا يهز رأسه كأنه منتبه لمايقوله الشاب بينما هو في الحقيقه غبر ملم بكلامه وأخذت عيناه تضيقان قليلاً ثم قال :لقد فهمت نعم فهمت لأن سائق سيارتي أنبأني بكل ما قلت
فرأى حمرة الخجل تعلو وجه الشاب الذي تناول القبعه بيده في شيء من الإضطراب وسمعه بوار ويقول :نعم سيدي أنا أعرف
فأجاب بوارو :أستحسنت ن تحضر بنفسك لتخبرني بالمطلوب
نعم سيدي لقد فضلت أن أحضر بنفسي
فقال بوارو:أشكر لك عنايتك الزائده
كانت هذه الكلمات تحمل معنى الإذن لشاب بلإنصراف ولا كنه لبث واقفاً في مكانه أمسك بقبعته وتنحنح ثم قال بنبرات
يضهر فيها الإرتباك:أستميحك عذراً ياسيدي ألست أنت السيد بوارو الشرطي السري الخاص المعروف؟
نعم أنا بوارو
احمر وجه الشاب وقال:لقد قرأت عنك مرة في الجرائد
نعم
فتغير وجه الشاب وانتبه بوارو فقال له :نعم ولاكن لماذا تسألني ؟
أخشى أن تضن أن اضطرابي إنما هو نتيجة خوف ولاكن الحقيقه أن حضورك الفجائي إلى هنا وما سبقه من ذيوع لشهرتك في تحقيق الجنايات وقرائتي شيئاً عنها في الجرائد كل هذا جعلني ارغب في سؤالك أمراً هل ثمة مانع؟
فهز بوارو رأسه وأجاب :هل تريد مني أن أساعدك في شيء ما ؟
فقال الشاب متردداً :نعم نعم سيدة شابة أرجو البحث عنها ؟
البحث عنها؟هل أختفت؟
نعم ياسيدي لقد أختفت
اعتدل بوارو على كرسيه وقال بحدة:يمكنني أن أساعدك ولكني أفضل أن تذهب إلى
رجال الشرطه لأن وسائلهم أكثر يسراً
-لايمكنني أن أفعل ذالك ياسيدي لأن المسألة لها طابع خاص
حملق فيه بوارو وأشار له بالجلوس وقال:حسناً ما اسمك إذن؟
تيد ليمسون ياسيدي
اجلس ياتيد وأخبرني بكل شيء
شكره الشاب وجلس على حافة المقعد فقال له بوارو بهدوء: أخبرني
تنهد الشاب بعمق وقال:لم أرها غير مرة واحده ولم أعرف اسمها ولا حقيقتها
فقال بوارو:اسرد علي القصه من أولها لا تتعجل أخبرني بكل ما حدث لك
حسناً سيدي لعلك تعرف نادي جرسلون الواقع على شاطيء النهر بالقرب من القنطرة؟
لا أعرف شيئاً على الإطلاق
يملك هذا النادي السير جورج ساندرفليد يقضي فيه عطلة الأسبوع في الصيف مع جمهرة
من الممثلات وبعض أصدقائه للهو وقد استدعيت في شهر يونيو الماضي لإصلاح خلل بالراديو
هز بوارو رأسه واستمر الشاب يقول:ذهبت في الحال وكان صاحب القصر على شاطئ البحر مع
ضيوفه والطباخ قد خرج لبعض شؤونه فلم أجد سوى مساعده يعد المائده للغداء
وإحدى الوصيفات وأخذتني الوصيفه إلى مكان الجهاز وجلست بجواري أثناء قيامي بإصلاحه
وتحدثنا بالطبع سوياً كان اسمها فاليتا حسب قولها وقالت إنها وصيفة لراقصه روسيه
كانت مع الضيوف حينذاك
ماهي جنسيتها ؟هل كانت إنجليزيه؟
كلا ياسيدي بل أظن أنها فرنسية ففي نبرات صوتها عذوبة وظرف وهي تجيد الإنجليزيه
وتوطدت بيننا الصداقة فدعوتها لتذهب معي إلى السينما ولاكنها اعتذرت إذ ربما تحتاج إليها سيدتها
ثم عادت وقبلت دعوتي بعد ان حددت الموعد المناسب لها كانت نزهة جميلة على شاطئ النهر
ثم صمت الشاب قليلاً وارتسمت على شفتيه ابتسامة عذبة
وغامت في عينيه لمحة من الذكريات فقال بوارو بهدوء:هل كانت جميلة؟
لم أر في حياتي شيئاً أحب إلي قلبي منها إلى قلبي لن أنسى شعرها الذهبي
وهو يتماوج مع النسيم كأنه أجنحة ذهبية ولا ظرف حديثها وعذوبة صوتها
لقد أسرتني بجمالها وأصبحت لا أريد من هذا الوجود شيئاً سواها
فهز بوارو رأسه,واستمر الشاب يقول :لقد وعدتني بقضاء لحظة ممتعة أخرى عندما
تحضر مع سيدتها في المرة القادمة بعد أسبوعين ,ولكنها لم تحضر إلى مكاننا الموعود
وانتظرتها طويلاً بغير جدوى ,وعندما يئست تجرأت وذهبت إلى النادي وسألت عنها, فقيل لي إن الراقصة الروسية قد حضرت ومعها خادمتها وبعد قليل جاءتني خادة دميمة الخلق بدينة الجسم وقالت إن أسمها ماري أما الوصيفه السابقه
فقد طردت .وكدت أصعق وأسقط في يدي , فماتت الكلمات على شفتي وعدت أدراجي
ولاكني تشجعت وعدت ثانية أسأل ماري عن عنوان نيتا ووعدتها بمكافأه سخيه, فعادت بعد قليل تخبرني أنها في شمال لندن,فأرسلت إليها خطاباًرده إلي مكتب البريد بعد بضعة أيام
ثم أردفته بأخر فكان حضة مثل حض الأول .
ثم صمت لحظة ونظر إلى بوارو بعينيه الغائرتين وقال:أظن أنه يتبين لك مما ذكرت أن مسألتي لا تصلح للعرض على
الشرطة, وأنا مستعد أن أدفع لك عشر جنيهات إذا استطعت الحصول على فتاتي.
قال بوارو :لا ضرورة لأن نتناول الناحية المالية الأن, ولاكن أريد أن أسألك سؤال واحداً:هل هذه الفتاة المدعوة نينا تعرف اسمك وعملك؟
-نعم ياسيدي
-هل في إمكانها الاتصال بك إذا أرادت؟
-نعم
-هل تظن أنها ربما..
فقاطعه تيد قائلاً:أظنك تعني ياسيدي أنها لاتحبني كما أحببتها ؟ربما.فقد فكرت في هذا طويلاًوأنا واثق أنها كانت تميل لي .لابد أن يكون هناك شيء شغلها فقد كانت تعيش في بيئة سيئة ولعلها تورطت في بعض المتاعب هل تفهم ما أعني؟
_لعلك تريد أن تقول إنها ستضع طفلاً عما قريب هل هو منك؟
-كلا ياسيدي ,فلم تكن بيننا علاقة أثمة.
نظرإليه بوارو طويلاً وقال:إذا كان ما تظنه حقيقة,فهل لا تزال راغباً في العثور عليها؟
احمر وجه تيد وقال :نعم,وأريد أن أتزوجها إذا شاءت
ولا يعنيني ما تكابده الأن.أرجوك ياسيدي أن تجدها لي وحسب
فابتسم بوارو وقال لنفسه:شعر كأجنحة ذهبية ...سيكون الكشف عن هذه المسألة من المعجزات
الفصل لثاني:
نظر بوارو في ورقة مكتوب فيها عنوان الأنسة نيتا فاليتا
((17وينفرولين,رقم15))وهولا يدري إذا كان العنوان الذي قدمه إليه تيد سيهديه إلى ضالته. ذهب إلى المنزل رقم15
المذكور ففتحت له الباب امرأة بدينة فسألها:الأنسة فاليتا؟
-لقد تركت هذه الدار منذ عهد طويل
فتقدم بوارو خطوة إلى داخل المنزل وقال :هل يمكنك أن تعطيني عنوانها؟
-لا,فهي لم تتركه لنا
-متى رحلت عن هذه الدار ؟
-في الصيف الماضي.
-هل يمكنك أن تخبريني بالتحديد؟
وهنا سمع رنين نقود في يد بوارو ,فسال لعاب المرأة واختفى عبوسها ثم قالت:أوأكد لك ياسيدي أنني أريد مساعدتك . ربما كان ذالك في شهر أغسطس . أعتقد أنه قبل هذا التاريخ ,نعم في شهر يوليو ,فقد رحلت مسرعة في الأسبوع الأول من يوليو,رحلت إلى إيطاليا على ما أظن.
-إذن هي إيطالية؟
-نعم ياسيدي
-وكانت في وقت ما وصيفة لراقصة روسية؟
-هذا صحيح.إنها مدام ساموشينكا , وكانت ترقص في ملهى تيسبيان , وقد غزت قلوب رواد الملهى.
فقال بوارو:هل تعرفين لماذا تركتها الأنسة فاليتا ؟
فترددت المرأة قليلاًثم قالت:لا أعرف ,لعلها قد طردت ربما حدث بينها وبين سيدتها شيء لم تفصح فاليتا عنه.
ولاكنها كانت شديدة الغضب ولعلها لم تدع الأمور تمضي بسلام, فهي بطبيعتها الإيطالية الحادة وعينيها السوداون لا تحجم إذاغضبت من أن تطعن خصمها بسكين, ولهذا لم أكن أعارضها عندما تثور
-هل تجزمين بأنك لا تعرفين عنوانها الحالي ؟
ورنت النقود في يده ثانية,فتشجعت وردت:أشعر برغبة في مساعدتك ,ولاكنها رحلت على جناح السرعة .وهناك قال بوارا في نفسه:نعم هناك
الفصل الثالث:
كان امبروز فاندل منهمكاً في عمل التصميمات اللازمة لحفلة الرقص المقبلة عندما التفت إلى بوارو وقال له :ساندرفيلد؟
جورج ساندرفيلد,ذلك الثري المعروف .إنه رجل سيء السمعة وله علاقة مع الراقصة كاترينا ساموشينكا .هل رأيتها؟إنها فاتنة جداً
-هل توجد علاقة بين هذه الراقصة وساندرفيلد؟
-نعم فقد اعتاد أن تقضي معه عطلة الأسبوع في قصره القائم على ضفة النهر حيث يقيم حفلات ضخمة
-هل يمكنك أن تعرفني بالأنسة ساموشينكا؟
-أنا أسف ,فقد رحلت إلى باريس فجأة إذأشيع عنهاأنعا جاسوسة روسية,ولكنني لم أصدق ذلك لأنها تبغض الشيوعيين
وتدعي أنها من اروس البيض وابنة أحد أمرائهم
الفصل الرابع
كان السير جورج ساندر فيلد قصير القامة غليظ العنق ,وقد قابل بوارو بشيء من الفتور
وسأله:ماذا يمكنني أن أفعل لك؟
نحن لم نلتق قبل الأن.
فأجابه بوراو:نعم نحن لم نلتق قبل الفعلاً
-إذن فماذا تريد؟
-المسألة بسيطة ,أريدالحصول على معلومات تاففهة جداً
ضحك السير ساندرفيلد على الرغم منه ورد:أتريد أن أفضي إليك بمعلومات تفيدك في شؤونك المالية؟
ليست المسألة خاصة بالشؤون المالية ولكنها متعلقة بإمرأة
-امرأة
-أظنك كنت صديقاً للأنسة كاترينا ساموشينكا؟
ضحك السير ساندرفيلد وقال:نعم فتاة ساحرة ولكنها رحلت من لندن مع الأسف
لماذا رحلت؟
لا أدري ويؤسفني إني لا أستطيع مساعدتك لا نقطاع الأسباب بيني وبينها
فقال بوارو :ولاكن أمر الأنسة ساموشينكا لا يعنيني
-من تريد إذن؟
-وصيفتها لعلك تذكرها
لاح عليه الضيق والحرج وأجاب:كيف أذكر ذلك ؟أنا أفهم أنها دائماً تحتفظ بإحدى الوصيفات وكانت عندها وصيفة لا تعرف الصدق أبداً
فقال بوارو :يلوح لي أنك تعرف عنها الكثير
-كلا وإنما هي ذكريا باهتة فأنا لا أتذكر اسمها
ربما كان ماري أو أي اسم أخر ولهذا أجدني لا أستطيع مساعدتك في الوصول إليها.
قال بوارو بهدوء: لقد حصلت على اسم الوصيفة من ملهى تيسبيان وهو ماري هيلين غير أنني أتحدث عن وصيفة مدام ساموشينكا السابقة وهي نيتا فاليتا.
حملق السير ساندرفيلد وقال:لا أذكرها مطلقاً ولكن ماري هي الوصيفة التي أذكرها دكناء اللون عمشاء العينين.
فقال بوارو :الفتاة التي أعنيها كانت في قصرك المسمى جرسلون في يونيو الماضي.
-حسناً كل ما أستطيع أن أذكره لك هو أنني لا أتذكر هذه الوصيفة ولا تصدق أنها كانت تصحب معها وصيفة لعلك مخطىء ياعزيزي
فهز بوارو رأسة لأن يظن أنه لم يكن مخطئاً
الفصل الخامس
ألقت ماري هيلين على بوارو نظرة هادئة ثم كر بصرها إليه بلمحة سريعة فقالت :أذكر تماماً أنني أشتغلت عند مدام ساموشينكا
في الأسبوع الأخير من شهر يونيو لأن وصيفتها السابقة قد رحلت فجأة
-ألم تسمعي عن سبب رحيلها الفجائي؟
كل ما أعرفه أنها رحلت فجأه ربما كان ذلك بسبب المرض أو أي سبب أخر لا أعلمه لأن السيدة لم تذكر عنها شيئاً
-هل كنت تستريحين لخدمة مدام ساموشينكا؟
هزت الفتاة كتفيها وأجابت :لقد كانت غريبة الأطوار تبكي وتضحك في أن ثم تبتهج وتبتئس في أن أخر لا يمكن معرفة طباعها إنها كمعظم الراقصات هكذا خلقن
سألها بوارو:وما رأيك في السير جورج سانرفيلد؟
فغامت في عينيها سحابة حزن وأسى وقالت:لعلك تريد أن تعرف شيئاً عنه؟يمكنني أن أخبرك عنه أموراً غريبة
فقاطعها بوارو قائلاً:ليس ضرورياً
فنظرت إليه فاغرة الفم يتطاير من عينيها شررالغضب الممزوج باليأس
الفصل السادس
إنني أقول عنك دائماً أنك لا تجهل شيئاً أليكس بافلو فيتش.
قال بوارو هذه العبارة للكونت بافلوفيتش صاحب مطعم ساموفار بباريس يتملقه ويسترضيه لأن البحث عن ضالته المنشودة كان يتطلب منه سفراً طويلاً
وجهوداً شاقاً مضنياً , ولاكن بابلو فيتش يمكن أن يوفر عليه ذلك لأنه يزعم أنه لا تفوته شاردة ولا واردة في دنيا الفنانات والراقصات
فهز الرجل رأسه وقال:نعم ياصديقي ,أنا أعرف كل شيء حقيقة .أنت تسألني أين ذهبت الحسناء ساموشينكا الراقصة الفاتنة التي تأسر قلوب الرجال ؟لقد تفوقت على قريناتها في العالم كله ثم اختفت فجأة وسوف ينساها الناس.
فسأله بوارو :أين هي الأن؟
-في سويسرا .لقد ذهبت إلى هناك للاستشفاء من داء ذات الرئة الذي أضعف جسمها وأذوى عودها حتى أصبحت كالأموات.
تنحنح بوارو وسأله:ألم تعرف وصيفتها المدعوة نيتا فاليتها؟
فاليتا؟نعم ,أذكر أنني رئيتها ذات مرة حينما كنت أودع ساموشينكا عند سفرها إلى لندن إنها إيطالية من بلدة بيزا أليس كذلك؟
فتمتم بوارو لنفسه:إذن يجب أن أرحل إلى بيزا
الفصل السابع
وقف بوارو في مقبرة كاميو سانتو ساكناً خاشعاً ففي أحد قبورها ترقد ضالته المنشودة .تلك الفتاة المرحة التي خلبت لب ذلك الشاب الإنجليزي الساذج
هكذا ختمت قصتها الدامية, وستبقى صورتها حيه في خيال ذلك الشاب المسكين
الذي لم ينعم بقربها سوى لحضة يسيرة في إحدى أمسيات شهر يونيو الماضي
وهز بوارو رأسه في أسف عميق, وتوجه بالحديث إلى عائلتها الحزينة,فتحدث مع والديها الريفيين اللذين هدهما الحزن
وشقيقتها التي أحالها الوجد والأسى هيكلاً أدمياً .قالت أمها الثكلى :لقد خطفها الموت ياسيدي كانت بيانكا تشكو من الزائدة الدودية , وقد رأها الطبيب أخيراً فصمم على نقلها إلى المستشفى فوراً لإجراء جراحة سريعة لإزالة الزائدة الدودية
وكأنما كان شبح الموت يتربص لها هناك ,ففاضت روحها أثناء العملية وهي في غيبوبة من تأثير البنج
وتمتم بوارو لنفسة:كانت نيتا دائماً ماهرة ذكية ومن المحزن أن تموت في هذه السن المبكرة وستكون الرسالة التي سأحملها إلى حبيبها المسكين((إنها لم تعد لك فقد ماتت))
الفصل الثامن
أرخى الظلام سدوله ولم تعدلزهور الربيع نضرتها وبهجتها ولكن الربيع(وهو موسم الحياة وعيد الشباب)له في النفوس دفعة وفي الأبدان حركة فهل يقنع بوارو بهذه النتيجة ؟لا يزال الشك يداعب خياله فتنهد طويلاً واستقر رأيه -في النهاية -على السفر إلى جبال الألب السويسرية ليحسم هذه الشكوك.
هو الأن عند نهاية الدنيا حيث يغطي ركام الجليد كل شييء وهذه الأكواخ المبعثرة هنا وهناك وتحوي هياكل أدمية تصارع الموت .
وصل أخيراً إلى كوخ كاترينا ساموشينكا ,فرأها ممددة في فراشها غائرة العينين والخدين وقد أخرجت من تحت غطائها ذراعين هزيلين لقد أثار هذا المنظر شجونه لقد نسي أسمها ولكنه لم ينس رقصاتها الفتية الرائعة
تذكر ميشيل نهوفجين في رقصة الصياد يداور طريدته حيناً ويطاردها أحياناً في تلك الغابة السحرية التي أخرجتها عبقرية أمبروز فاندل للمشاهدين كغابة حقيقية على خشبة المسرح
وتذكر الطريدة ..ذلك الغزال بقرنيه الذهبيتين وقدميه البرونزيتين يهرب من قناصه في خفة ورشاقة .تذكر ذلك الغزال حين صرعه القناص فسالت دماؤه ,وتذكر ميشيل نوفجين وهو يقف نادماً أمام غزاله الجريح فيأخذه من بين يديه كالواله المشدوه...
ونظرت ساموشينكا وهي في فراشها إلى بوارو ثم قالت:
لم أرك قبل الأن ماذا تريد مني؟
فانحنى بوارو قليلاً وقال:أشكر لك ياسيدتي أولاً فنك الرفيع الذي أتاح لي رؤيتك في إحدى الليالي
فابتسمت ابتسامة ضعيفة, وقال بوارو :جئت هنا لأبحث عن نيتا وصيفتك القديمة
فاتسعت حدقتا ها وسألته في دهشة :ماذا تعرف عن نيتا؟
-سأخبر يا سيدتي
وروى لها قصة الميكانيكي تيد من أولها إلى أخرها وهي تصغي إليه بانتباه,وحين انتهى قالت:إنها مأساة مأساة مؤثرة حقاً
فهز بوارو رأسه وقال :نعم إنها مأساة . ماذا تعلمين عن هذه الفتاة ياسيدتي؟
قالت ساموشينكا وفي نبراتها حزن ظاهر:كانت عندي وصيفة تدعى جانيتا ,مرحة الطبع طيبة القلب ,فحدث لها ما يحدث لأمثالها الغريرات فاغتالها الموت وهي صغيرة.
فأثارت هذه العبارة فضوله وسألها :هل ماتت؟
-نعم ماتت
وبعد لجظة سألها ثانية :ولكن هناك شيئاً واحداً غاب علي فهمه, وهو أنني حينما سألت السير جورج ساندرفليد عن فتاتك بدا عليه الاضطراب لماذا؟
فظهرت على وجه الراقصة علامات الامتعاض وقالت:ربما يكون قد اعتقد أنك تعني ماري التي خلفت جانيتا ,وقد حاولت تلك الفتاة ابتزازه لأمور لاحظتها عليه,فقد كان من عادتها التجسس على أخبار الناس وقراءة رسائلهم
وبعد أن صمت بوارو لحظة سألها :إذن فقد كانت فاليتا تحمل اسماً أخر وهو جانيتا؟ وهي أيضاً قد ماتت في بيزا على إثر عملية استئصال الزائدة الدودية
فقالت الراقصة بعد شيء من التردد :نعم هذه الحقيقة
فقال بوارو:ولاكن أهلها يذكرونها باسم بيانكا
فهزت ساموشينكا كتفيها وأجابت :بيانكا جانيتا ...هذه مسألة لا تهمني ولكني أظن أنها أستظرفت الاسم فأطلقته على نفسها
-أنت تظنين ذلك ولكنني أظن أن في المسألة سرأ؟
ماهو؟
انحنى بوارو وقال : الفتاة التي وصفها لي تيد كانت ذات شعر كالأجنحة الذهبية
ثم دنا من ساموشينكا ولمس شعرها بيديه وتابع كلامه:
أجنحة ذهبية أوقرون من ذهب ... أجنحة كتلك التي كنت تبدين فيها ملاكاً أو شيطاناً , والقرون كتلك القرون الذهبية
كقرون ذلك الغزال الجريح
سألت كاترينا بصوت يائس حزين:الغزال الجريح؟
فرد بوارو :لا يزال وصف تيد ليمسون يلقي في روعي حيرة بالغة هذه الحيرة مصدرها أنت...أنت حينما كنت ترقصين بقدميك البرونزيتين في الغابة هل أخبرك بما يساورني يا أنستي؟
أظنك أمضيت أسبوعاً من غير أن تكون في خدمتك وصيفتك وفي خلال هذا الأسبوع سافرت إلى جرسلون لأن بيانكا فاليتا كانت قد تركتك وعادت إلى إيطاليا حيث ماتت في مقتبل العمر
إثر عملية جراحية . وكنت لم تحصلي على وصيفة جديدة وقد شعرت في ذلك اليوم بأعراض المرض فلم ترافقي الضيوف إلى شاطيء النهر بل بقيت وحيدة في المنزل وسمعت الجرس يرن وذهبت لتنظري من القادم .هل أخبرك من كان ذلك القادم؟
كان شاباً في برائة الأطفال وجمال أبطال الأساطير ,فانتحلت أمامه لا أسم فاليتا ...بل أسم نيتا فاليتا ثم عشت وإياه بضع ساعات في الفردوس...
وهنا ساد بينهما سكون عميق , أجابت بعده كاترينا بصوت أجش:لعلك على حق , ومصداقاً لقصدك فإن نيتا ستموت أيضاً في مقتبل العمر.
فقال بوارو وهو يضرب المنضدة بيده:كلا لن تموتي يجب أن تكافحي من أجل الحياة الجميلة
فهزت رأسها في يأس وحزن ثم أجابت :ولاكن أي حياة تنتظرني؟
-ليست حياة المسرح ولكنها حياة أخرى.تعالي معي يا أنستي , وأرجو أن تصدقيني القول :هل كان أبوك أميراً أو دوقاً أو جنرالاً عظيماً؟
فضحكت وأجابت :بل كان سائق شاحنة في لينغراد
-حسناً ولماذا لا تكونين زوجة لذلك الميكانيكي القروي وتنجبين منه أطفالاً حساناً؟
فامسكت كاترينا أنفاسها ثم أجابت :إنها لفكرة خيالية
فقال بوارو :وأنا أظن أنها ستتحقق
النهاية